نبأ العرب

باحثون في «الراوي»: التراث العربي نقل رسائله الإنسانية بلسان الطيور


اتفق أكاديميون وباحثون عرب من المغرب، الجزائر، مصر، البحرين، والإمارات على أن التراث العربي استطاع أن يوصل رسائله الإنسانية إلى العالم بلسان الطيور، ونجح في ذلك بما يمتلكه من خيال جامح، وتصور عميق، وإبداع فكري وأدبي ثري.
جاء ذلك خلال جلسة «الطيور بين رمزية الحضور ودلالة التوظيف» بملتقى الشارقة الدولي للراوي 24 الذي ينظمه معهد الشارقة للتراث.
أدار الجلسة د.مني بونعامة، مدير إدارة المحتوى والنشر بالمعهد. وخلالها، أشار د. سعيد يقطين في ورقته «تحولات الطائر الأندلسي في المتخيل الشعبي العربي» إلى أن صورة الأرض بعد الطوفان كانت على شكل طائر يشير رأسه إلى المشرق ورجلاه إلى الجنوب والشمال، وكان المغرب من جهة الذنب. وتناول تصوير الطائر كدلالة على العمارة في الأندلس ثم كرمز للصراع بين المشرق والمغرب، وتحولت صورته إلى عقاب في زمن يوسف بن تاشفين، حيث تختصر الصور تحولات انتقالية من القبح إلى الجمال، ومن النصر إلى الهزيمة، ومن الخراب إلى العمران.
وعرّف د.سعيد المصري في ورقته «طيور الشر في التراث الشعبي العربي»: على «أنها تلك الطيور التي صورها الخيال الشعبي بصورة سلبية، وهي في الواقع إسقاط على البشر ومواقفهم الضارة، فقد ربط الخيال الشعبي بين الغراب والخيانة، والبوم والخراب، والحدأة والنهب. هذه التصورات لا تزال ممتدة إلى الوقت الحاضر، وتعد حلقة وصل بين عالمي الخير والشر».
وقال الباحث خالد بن ققة في ورقته «الهدهد في التراث الإنساني»: «إن المجتمعات العربية تنظر إليه نظرة تختلف عن غيره من الطيور الأخرى، فهو يعتبر الطائر الذي ينقل الإنسان من حال إلى حال، فإذا أكلت لسانه صرت حكيماً، وإذا أكلت قلبه صرت ثرياً. يتميز الهدهد بكونه ناقلاً للأخبار، لكنه لم يرتقِ في التصور الشعبي العربي إلى مصاف الأسطورة التي تعد صلة البشر بالسماء».
وقال د.فهد حسين في ورقته «تجليات الطيور في السرد العربي»: «اختلف الحديث عن الطير في مصادر التراث العربي، فمنها ما تحدث عنه ضمن منظومة الحيوانات كاملة كما في كتاب «الحيوان» للجاحظ، ومنها ما أعطى للطير لساناً كلسان الإنسان كما في «كليلة ودمنة»، ومنها ما جعلها رمزية للحب ككتاب «طوق الحمامة» لابن حزم. ومن أبرز المصادر كتاب فريد الدين العطار «منطق الطير» الذي يبحث فيه الطير عن طريق الخلاص، حيث يكون الهدهد مرشداً لها».
واختتم حديثه بأن «الطيور أصبحت رمزية للكتاب والفنانين، الذين يستطيعون إيصال رسائلهم بلسانها إذا بلغوا ناصية التمكن والإبداع».
‏25 فعالية ومعرضان
‏ بخمسٍ وعشرين فعالية منوعة على مدى انعقاد الدورة 24 لملتقى الشارقة الدولي للراوي، استقطبت المدرسة الدولية للحكاية التابعة لمعهد الشارقة للتراث تفاعلاً لافتاً من الجمهور بمختلف الفئات العمرية، من خلال فعاليات راوحت بين الحكاية الأدبية التفاعلية (الحكواتي)، والعروض المسرحية، والفعاليات الفنية التي شارك في تنفيذها مجموعة من المتخصصين في شؤون الفن والتراث الشعبي المحلي والعربي.
وضمت فعاليات المدرسة الدولية للحكاية أيضاً معرضين مصاحبين. الأول عن الحكايات الشعبية الألمانية للأخوين جريم، ويُقام للمرة الأولى خارج ألمانيا، ويضم مجموعة من اللوحات المعبرة لقصص الأطفال، مرسومة بريشة رسامين كبار محترفين. أما المعرض الثاني، فهو «المصممات المبدعات» الذي استعرض عدداً من المواهب الفنية التصميمية لمجموعة من المبدعات في الدولة، اللواتي جذبن الاهتمام بمواهبهن وقدراتهن الفنية والجمالية.
وقالت إسراء عبد الله الملا، مديرة المدرسة الدولية للحكاية: «حرصت المدرسة على تنمية المعارف الفنية والروائية والمعرفية لجميع الفئات العمرية بأسلوب فني مشوق، يمزج تراث الماضي بالحاضر، والخبرات المحلية بالخبرات العربية والعالمية. وتناغمت فعاليات المدرسة في هذه الدورة مع شعار «حكايات الطيور» التي تضم مخزوناً وإرثاً عالمياً كبيراً لا يزال يرفد الثقافة العالمية بالمنجزات الكبيرة. نحن سعداء بحجم التفاعل مع فعالياتنا، مؤكدين استمرارنا في السير على نهج معهد الشارقة للتراث في تقديم كل ما هو تراثي بأجمل صورة وأعذب تعبير».
ومن أبرز فعاليات المدرسة خلال الملتقى عرض كتاب «شوقي وأنا» لأمير الشعراء أحمد شوقي، الذي استعرض فيه أجمل القصائد الشعرية مثل «ملك الغربان»، «القُبرة وابنها»، «اليمامة والصياد»، «الكلب والببغاء»، «الثعلب والأرنب والديك»، «الكلب والحمامة». كما تم عرض رسوم للقصائد مع تقديمها بصوت شيخة المطيري.
حازت فعاليات مثل «رفيف الحكايات»، و«عوالم السرد»، و«حكايات كان يا ما كان في قديم الزمان»، بالإضافة إلى برامج د.دلال مقاري، على الكثير من النجاح بفضل أسلوب العرض المتميز، والقدرة على مخاطبة الفئات العمرية كافة، والتنوع المثمر بين أساليب الحكواتية والفنانين العرب والأجانب.
‏الطيور تحلق بالزائرين
‏ ضمن جهود معهد الشارقة للتراث في تعزيز الثقافة الموسوعية للجمهور، والمنبثقة من المعارف التراثية العلمية والأدبية المتنوعة، احتضن الملتقى معرض الطيور المحلقة، الذي ضم رحلة لاستكشاف أثر الطير في الفكر الإنساني عبر العصور. شمل المعرض التراث، الأساطير، الحكايات العالمية، الكتب المؤلفة قديماً وحديثاً، الأمثال الشعبية، بالإضافة إلى أنواع الطيور المحلية والمهاجرة.
وقالت عائشة الحصان الشامسي، مدير مركز التراث العربي التابع لمعهد الشارقة للتراث، والمنسق العام لفعاليات ملتقى الشارقة الدولي للراوي 24: «تحظى الطيور بمكانة كبيرة في التراث الإماراتي من خلال الحكايات والمعتقدات الشعبية. كما تم توظيفها في الشعر والنثر، وحرصنا في هذا المعرض على تقديم معلومات وافية عن الطيور في التاريخ، الأديان، الأساطير، والأدب، وكانت هذه المعلومات محل إعجاب وتفاعل الجمهور طيلة أيام الملتقى».
يستعرض المعرض مشاركة الطيور في البطولة مع البشر في الحكايات الشعبية، ليقدم مفاهيم وقيماً إيجابية، مثل الرحمة، الرأفة، الصداقة، والحب. كما تم الاحتفاء بأنواع مختلفة من الطيور وتوظيف أثرها في الشعر والنثر. ومن أشهر الطيور في البيئة المحلية: الراعبي، الصفرد، الحبارى، الصقر، الكروان، الخفاش، السنونو أو الخطاف، البومة، الغراب، وغيرها.
وفي الأمثال الشعبية، يقدم المعرض نماذج عديدة ومتنوعة مما تحتفظ به الذاكرة الإماراتية، بشقيها المدون والموثق، أو المروي المتناقل عبر الروايات الشفوية. وتجلى ذلك في صور وأشكال اجتماعية وتاريخية ولغوية ذات أصل ثقافي وتراثي، ما يعكس القيم، الأخلاق، المواعظ، العادات، والاعتقادات التي كانت سائدة في فترة من الزمن، وتم تداولها بلغة محلية خالصة.
قدم معرض الطيور المحلقة أيضاً العديد من التصورات الأسطورية حول بعض الطيور التي ارتبطت بدلالات ثقافية متعددة لا تزال آثارها قائمة، مثل الأساطير المرتبطة بالغراب، العنقاء، البومة، النسر، وغيرها من الأنواع. ويظهر العلم الحديث، من خلال السجل الأحفوري وأبحاث الهندسة الوراثية، أن ظهور الطيور الحقيقية الأولى كان خلال العصر الطباشيري، منذ نحو 100 مليون سنة.
ولم يكن العربي في صحرائه الواسعة بمنأى عن ذلك، إذ كان حضور الطيور جلياً في الشعر الجاهلي. كما حفلت حياة العرب وثقافتهم بوفرة من ظهور الطير، مرتبطاً بأفكار غيبية، عكست مواجهة الإنسان ورؤيته تجاه المستقبل، فيما عرف لديهم بالزجر والعيافة، وبالسوانح والبوارح التي اتصلت بالتفاؤل والتشاؤم. وحرص المعرض على تقديم ذلك بشكل وافٍ.
ضم المعرض أيضاً العديد من المخطوطات القديمة، المطبوعات الحديثة عن الطيور، بالإضافة إلى بعض أدوات العناية بالصقور، والمجسمات. كما أقيمت العديد من الجلسات التعريفية التي استقطبت جمهوراً واسعاً، ما زاد من فوائد المعرض وعمق أهدافه المعرفية.

أخبار متعلقة :