القاهرة ()- بلغ فائض التجارة الصيني مستوى غير مسبوق بلغ تريليون دولار في عام 2024، وهو رقم يتضاءل أمامه الأرقام القياسية التاريخية ويؤكد على هيمنة الصين على التصنيع العالمي.
وفقا لتقرير ، أعلنت الإدارة العامة للجمارك أن إجمالي الصادرات بلغ 3.58 تريليون دولار، متجاوزًا 2.59 تريليون دولار من الواردات، وبعد تعديل التضخم، يتفوق هذا الفائض على فائض قوى التصدير السابقة مثل ألمانيا واليابان والولايات المتحدة، مما يمثل حقبة تحولية في التجارة العالمية.
ويشير الخبراء إلى أن طفرة الصادرات الصينية، التي تحركها قطاعات مثل المركبات الكهربائية والألواح الشمسية والتصنيع المتقدم، أعادت تشكيل الاقتصاد العالمي، “منذ عام 2021، عادت الصين إلى التصدير بشكل كبير – ونمو صادراتها يأتي بشكل متزايد على حساب الاقتصادات الأخرى التي تعتمد على التصنيع في جميع أنحاء العالم”، كما قال براد سيتسر، زميل بارز في مجلس العلاقات الخارجية.
السياق الاقتصادي.. التحديات المحلية والتوسع العالمي
في حين ارتفعت الصادرات، عانى الاقتصاد المحلي في الصين، فقد أدى انهيار سوق الإسكان إلى ترك الملايين عاطلين عن العمل وتآكل مدخرات الطبقة المتوسطة، مما أدى إلى تقليص الإنفاق المحلي على الواردات والسلع المحلية، قدم الفائض التجاري حاجزًا حاسمًا، وعوض عن التباطؤ الاقتصادي.
ومع ذلك، فإن هذا النمو المدفوع بالتصدير ليس خاليًا من المخاطر، فقد أدت الطاقة الفائضة في المصانع إلى انخفاض الأسعار والضغوط المالية للعديد من الشركات الصينية، بما في ذلك التخلف عن سداد القروض والخسائر الفادحة.
وعلى الرغم من هذه التحديات، تظل الصين موردًا رئيسيًا للأسواق العالمية، حيث تنتج ثلث السلع المصنعة في العالم – وهو إنجاز لا مثيل له منذ هيمنة الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية.
اقرأ أيضا..
الحمائية والتوترات العالمية
لقد أثار الفائض التجاري الضخم للصين ردود فعل عنيفة من جانب الدول الصناعية والنامية على حد سواء، فقد رفعت دول مثل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي التعريفات الجمركية على السلع الصينية، بما في ذلك السيارات، مستشهدة بمخاوف بشأن إغلاق المصانع وفقدان الوظائف في قطاعات التصنيع الخاصة بها، كما أقامت دول متوسطة الدخل مثل البرازيل وتركيا والهند حواجز تجارية لحماية الصناعات الناشئة.
انتقد نيكولاس بيرنز، السفير الأمريكي لدى الصين، سياسات بكين الصناعية المدعومة من الدولة، قائلاً: “إن الصين ترتكب خطأً فادحًا في إنتاج ضعفين إلى ثلاثة أضعاف الطلب المحلي في مجالات مثل الصلب والروبوتات والمركبات الكهربائية، ثم تصدير الفائض عالميًا”.
وردًا على ذلك، رفض المسؤولون الصينيون هذه الانتقادات باعتبارها تدابير حمائية تهدف إلى الحد من تنمية البلاد، ودافع وانج لينج جون، نائب وزير إدارة الجمارك، عن ممارسات الصين التجارية، مؤكدًا أنها تتماشى مع المنافسة العادلة.
التحول الاستراتيجي نحو الاعتماد على الذات
لقد أدت سياسة “صنع في الصين 2025” التي تنتهجها الصين، بدعم من استثمار 300 مليار دولار في التصنيع المتقدم، إلى تحويل الأمة من مستورد للسلع مثل السيارات إلى أكبر مصدر في العالم في قطاعات متعددة، ولم يعمل تركيز البلاد على الاعتماد على الذات على تقليل اعتمادها على المنتجات الأجنبية فحسب، بل أدى أيضًا إلى تغذية هيمنتها التجارية العالمية.
لقد عززت هذه الاستراتيجية، جنبًا إلى جنب مع الاستثمار الضخم في التعليم والبنية الأساسية والتكنولوجيا، مكانة الصين كقائد عالمي في مجال التصنيع.
تنتج الجامعات عددًا من خريجي الهندسة سنويًا يفوق إجمالي عدد التخصصات الرئيسية في الكليات الأمريكية، مما يضمن خط أنابيب ثابت من المواهب لدعم النمو الصناعي.
التداعيات على الاقتصاد العالمي
لقد شكل اتساع الفائض التجاري للصين ما يقرب من نصف نموها الاقتصادي في عام 2024، وهو العام الذي توسع فيه الاقتصاد بنسبة 5٪، ومع ذلك، يثير هذا النمو تساؤلات حول الاستدامة، إذا استمرت الدول الأخرى في رفع التعريفات الجمركية، فقد تواجه الصين تحديات أكبر في الحفاظ على هيمنتها على التصدير.
وعلى الرغم من تزايد الحواجز التجارية، لا يزال العديد من المستوردين العالميين يعتمدون على التصنيع الصيني الفعّال من حيث التكلفة.
على سبيل المثال، أشار إريك بوزيس، الرئيس التنفيذي لشركة All Things Equal ومقرها ميامي بيتش، إلى أن إنتاج ألعاب الطاولة في الولايات المتحدة يكلف ضعف ما يكلفه في الصين، حيث يفتقر الإنتاج المحلي إلى المكونات الرئيسية للألعاب الإلكترونية على الطاولة، وقال بوزيس: “أتمنى لو كان بوسعي القيام بذلك هنا بطريقة فعّالة من حيث التكلفة، لكن هذا غير ممكن”.
نقطة تحول في التجارة العالمية
يعكس الفائض التجاري القياسي للصين قدرتها التصنيعية غير المسبوقة وتخطيطها الاقتصادي الاستراتيجي، ومع ذلك، فإنه يكشف أيضًا عن نقاط ضعف، بما في ذلك الإفراط في الاعتماد على الصادرات والتوترات مع الشركاء التجاريين.
ومع صراع الاقتصاد العالمي مع تداعيات صعود الصين، يظل السؤال: هل يمكن لأكبر دولة مصدرة في العالم الحفاظ على زخمها وسط زيادة الحمائية وديناميكيات اقتصادية متغيرة؟
تعليقات